About Me

My photo
Liwa/AbuDhabi, Middle East, United Arab Emirates
My name is Rayan, I feel ok, and i'm in love with you =D

Friday, June 6, 2014

الطريق إلى إينوياما (الجزء الأخير): توبة خلاص! ما بعيدها يا ناس

"كم باقي من المسافة!؟" 
 
انتهت كل "السواليف" و لم يبق منها غير تكرار هذا السؤال، فأصبح كل منّا لا يطيق الأخر، فهو يقودني بدون أن يتفوّه كلمة…لم نعرف قيمة الرمّانة إلّا في تلك اللحظة 
 
بدأت أعجز عن الجري، مفاصلي تصلّبت و عضلاتي تحجّرت، و لم تكن فيها تلك المرونة التي كنت أتمتّع بها في طريق الذهاب…. 
 
نطقت ركبة دحوم بصوت الألم…"كليك" 
 
توقّف فجأة، و بدأ يعرج، أسرعت إليه لأطمإن، كان على ما يرام و لكن شعر بضيق شديد على قدمه…ظنّ أنه الحذاء فخلع حذاءه و مضى يمشي حافيا…. 
 
مضينا على ظهر إحدى الجسور المؤدية لمنطقة صناعية تسبق مدينة ناجويا، 
 
كنّا الوحيدين على هذا الجسر و الشارع يخلو من المركبات، 
 
سمعنا ضجيجا حادّا من صدر السماء، 
 
كان بحجم النعجة، مندفعا كالكاسر و هو يسدّد منقاره نحونا، رأيت في عينيه نيّة أن يخرق رؤوسنا، 
 
"
كاااااااااك" 
 
سارع بنا الخوف بأن نلازم الأرض ففشلت محاولته…. 
 
"
يمكن هبوط اضطراري؟!" 
 
"
هذا ناوي علينا، انتبه شوف وراك!" 
 
"
كااااااااااك" 
 
عاود الكرّة و لكن هذه المرّة من الخلف…. 
 
"
اهرب!!!" 
 
بدأت أطارد دحوم أحاول الامساك به حتى لا يتركني وراءه وحيدا ، 
 
"
سوبر ماركت، روح!" 
 
وضعت السوبرماكت نصب عينيّ و انطلقت بسرعة لو تسابقنا بها ضدّ "بولت" لخسر رقمه القياسي، 
 
اختفى الصوت فجأة 
 
"
شكله وقّف ما له حس!" 
 
اختفى أثره ، بدأت أفكّر في تفسير لهذا السلوك الغريب لهذا الطائر، غلب بي الظن أننا اقتربنا من مملكته و هو كان يحاول الدفاع عنها…. 
 
كانت الاستراحة الأخيرة، مكثنا طويلا في هذه الاستراحة حتى بدا وقت الغروب، 
 
بدأت تظهر أمامنا علامات التمدّن من بعيد، تلك هي ناجويا، لم يتبقى غير ١٥ كيلو، هنا بدأت التجربة الحقيقية للرحلة 
 
بدأ مشوار الملل، نعم كنّا نقطع المسافات الطويلة، و لكن كلما غلب بنا الظن أننا اقتربنا، و إذا بالطريق يبتعد أكثر و أكثر 
 
لا أشعر بالوقت يمضي….تجمّدت عقارب الساعة…. 
 
"
ربّي أنا شو سوّيت غلط في حياتي عشان تحطني في هذا الموقف!" 
 
"
لا تتذمّر، اصبر و لا تسأل عن الوقت و لا عن المسافة" 
 
عظيم…أن يخوض الانسان في تحدّيات يتعدّى من خلالها حدود صبره….حدود راحته….حدود سعادتهو في تلك الحدود قد يخال إليه أنّه سيعمّر الدهر كلّه، و سيحافظ على صحة متكاملة على الدوام، و يدّعي الكمال دون منتقص، و محبّة الآخرين دون كره، و يقول الصدق دائما من غير كذب، و سيكون المثال الأعلى للصبر…. 
 
كل هذه ادعاءاتنا الباطلة التي يكون فيها اللسان دليلها الوحيد، فمن منّا فعلا خاض تجربة إيمانية حقيقية لصبره، لقوّته، لسعادته، لفقره، لكرمه، لحبّه للناس خارج تلك الحدود؟  
 
ربما تذمّرت، و لكن تذكرت ضعفي، فكنت في راحتي أتفاخر بقوّتي و تحمّلي، و لكن بحالتي المزرية الأن تيقّنت أن لولا رحمة الله لي و خوفه عليّ و ثقته بي أنّي سأكمل رحلتي، للقيته بهاوية رأسي على أرضية الطريق 
 
بدأنا بالتعرج، فأصبحت مشيتنا على "دقّة و نص"، هذا جسر، ثمّ إشارة، ثم حارة، ثمّ جسر…. و كأننا في طرقات دهليز لا تنتهي 
 
"
ها يا صاحبي، الطريق مألوف ولا لسا" 
 
لا يرد، عذرته لأنه كان يمر بنفس الصراع النفسي الذي كنت أمرّ فيه، و كل منّا ينتظر الآخر في أن يقف ليرتاح، و كان كل منّا ماهرا في إظهار قوة التحمل للآخر رغم شدة الألم... 
 
أصبحنا بين المباني و الطرقات، حبيت أغيّر الجو بتساؤلي لدحوم عن العبارة التي سيصرخ بها عند خط النهاية، ذكرنا الكثير من الاقتراحات حتى اتفقنا على عبارة واحدة نزعج بها الحيّ كله 
 
كان المنعطف الأخير، توقف دحّوم و بات ينظر نحو المدخل و قد تلألأت عيناه….تبعته حتى وقفت بجانبه و إذا بي كأنّي أرى باب الجنّة أمامي 
 
بدأنا بالتدافع للوصول، سبقني، سقط أمام المدخل، سقطت بجانبه، نظرنا إلى السماء….صرخنا 
 
"
تبّا إينوياماااااااااااااا" 




Thursday, June 5, 2014

الطريق إلى إينوياما (الجزء السادس): شقلوب روحاني

سبقني نحو الرصيف الخشبي، استقر عند الطرف الأقصى واضعا يديه على القاع محاولا رفع قدميه للأعلى شيئا فشيئا حتى استكن، ظلّ ملازما تلك الوضعية بكل ثبات و اتزان و كأنّه يستجمع قوى الطبيعة من حركة الرياح و تيارات المد و الجزر... 
 
هذه هي الوضعية التأملية التي يلجأ إليها دحوم عندما يصل إلى أقصى درجات الروحانية…..لم أتمالك نفسي من الضحك، و لم أفوّت فرصة أن ألتقط صورة لهذا المنظر العجيب  .



  

عشقت عيناي منظر السحب، و أنا أستلقي على أطراف رصيف القوارب الخشبي، فردت ذراعيًّ معلنا استسلامي للسماء 
 
أزاحت مخيّلتي ستارها عن شاشة عُرِضَ عليها جميع المواقف التي واجهتنا خلال الرحلة….استصعبت أن أعيش ذاك الفلم مرة أخرى في طريق العودة.... 
 
عقدت شياطيني اجتماعا طارئا لاختلاق عذر اقنع فيه دحوم أن نرجع بأي طريقة غير الجري…عرضوا عليّ استيائهم من قلة حيلتي و افتقاري للمال…. 
 
صدى صوت دحّوم يكرر في رأسي شيئا فشيئا…حتى استيقظت و شعاع شمس الظهيرة قد اخترق بؤبؤتي، حتى كاد أن يعميني 
  

  شعرت بركلات خفيفة على خاصرتي
 


 

ياخي بدري...ه"والله ما مداني أقيل )من كلمة قيلولة" (
 
"
خلنا نلحق عالحجيّة قبل لا تقفل المحل و يروح علينا التلفون" 
 
لملمت أمتعتي و أنا أتأوّه و أتأفَفَ، بدأ صبري ينفذ و كل ما أفكّر فيه هو التخلّص من ملابسي العفنة، و الغطس في ماء حمّام دافئ متبوعا بنوم عميق كنوم أهل الكهف 
 
لم نخطط العودة من نفس الطريق التي سلكناها عند طريق الذهاب، فبدأ دحّوم بسؤال العجوز عن أقرب طريق إلى "ناجويا" 
 
لاحظت تفاعلا مفاجئا من العجوز و هي تناقش دحوم على اتجاهات طريق العودة، فكانت علامات الذهول و الدهشة تعلو وجه العجوز و هي تردد 
 
"
سوجوي (عظيم" !(
 
لم تكتفي بذلك، فقامت بإعلام عصبة من الدرّاجين يتناولون القهوة في أحد طاولات المحل، و تعالت عبارات "سوجوي" من كل نواحي المحل 
 
استفسرت من دحوم عن العلّة، فاكتشفت أنهم لم يصدّقوا اننا قدمنا من ناقويا جريا على الأقدام 
 
أمسكت العجوز بيد دحّوم فجأة و سحبته نحو الشرفة، و بدأت تشرح له اتجاهات أقصر طريق إلى ناقويا 
 
أعادت الشرح مرّات و مرّات خوفا منها أن نضيع أو نتعب في منتصف الطريق، كانت تكثر التمنّي لنا بالتوفيق حتى أحسسنا بالحرج و الخجل من طلبنا للمساعدة من الأساس.. 
 
آآآآآآه كان توديعها لنا من باب المحل المحفّز الوحيد الذي جعلني أكمل طريقي للعودة….أكثرت الانحناء و جعلت تنادي  
 
"
جانباري!، جانباري! (شدّوا الحيل)" 
 
وقفنا جنبا إلى جنب نتأمّل الأفق….ذاك هو الهدف! 
 
"
ثلاثة و عشرين كيلو، و سينتهي كل شيء!" 
 
"
طيب، شغّل الرمانة يا دحّوم" 
 
حاول تشغيل الرمانة، لم تصدر أي صوت….بدأ دحّوم يرتبك 
 
"
الرمانة يا خالي!" 
 
بدا يعبث بجيوب حقيبتي بحثا عن الرمانة ليتفحصها، توقّف عن العبث فجأة….ثم أخرجها ليريني إياها 
 
و كانت الطامّة الكبرى…وميض أحمر 
 
صمت مفاجئ….تبادلنا نظرات حادّة….أخذ كل منا زهيقا عميقا تبعناه بزفير التعاسة 
 
"
أجل ثلاثة و عشرين كيلو" 
 
"
صبرك يا أيوووووووووب" 

Wednesday, June 4, 2014

الطريق إلى أينوياما (الجزء الخامس): مطعم أبو اللي خلفونا

كنّا نصرخ كالمجانين…لم نربح المليون و لكن، تعلّقنا بالأمل في الوصول رغم شدّة الألم و التحمّل عزّز الشعور بهذا الانجاز العظيم….نفخ البحر على وجهي نسيمه العليل فسكنت نفسي…و ارتفعت حواجبي ذهولا بعلوّ الجبال التي تحول البحيرة، كان المنظر أخّاذا….


الجميع يحدّق….فأحدنا مشلول يجرّ رجله بيديه، و الآخر مهلوس يترنّح يمنة و يسرة……لم أكن على وعي، فسال لعابي  لرائحة الشواء اندلعت من مدخنة ذلك الكوخ المتواضع

كان جوعي يرسم  لي أطباقا أحبّها من صنع أمي، قرصان…سليق…كبسة….ورق عنب…. سئمت عندما نظرت لما تبقّى لي من مال…..إنّ واقع الحال على الأرجح أن يكون نصيبنا…."علب سردين"…

وقفنا على مشارف الكوخ، لم تكن هناك عتبة لنضع فيها أحذيتنا فدخلنا بها، و جاءت من داخل المطبخ تسعى

"
أيراشاي ماسي (أهلا و سهلا)"

كانت عجوز خمسينية، طلتها البهية و ترحيبها المُلِح أشعرنا و كأن هذا الكوخ ملك لنا، و لكن هناك ما أثار توتّري من خلف ستار المطبخ…. عبوس زوجها و هو ينظر نحونا…شممت رائحة غضبه عند سماعي ارتطام السكين القوي  على لوح الخشب هو يقطع الخضار

بدا له أن دحّوم كان يحدّق في قوام ابنته و هي تخدم الزبائن….بينما دحّوم كان ممعن النظر نحو الأطباق الشهية التي كانت تحملها….. كانت أشبه بقطع سمك مشوية بأسياخ خشبية مطلية بصلصة ال"صوي" ….

"
مشاوي يا ولد!"…. على الأقل بدا لنا أنها مأكولات بحرية، و لكن الحقيقة كانت كل البعد عن ذلك

تركني دحوم خلفه و ذهب نحو دورة المياه، و ما زالت أنظار العجوز تلاحقه

كانت هناك عدة طاولات أرضية في الجانب الأيمن من المحل، فاضطررت لخلع حذائي لكي تتنفس قدمي…..ما أن خلعت جاربي اللآخر حتى سمعت زحزحة الكراسي من حولي….فجأة الجميع التقط طعامه و ذهب إلى الجانب الأقصى من المطعم

نعم تنفست قدماي…. و لكن كدت أن أخنق الجميع….إنّه جرابي المعفن، من قوة رائحته عجزت التقاطه حتى بأطراف أصابعي

و ما أن تربّعت أسفل طاولة حتى بدأت بتدليك مفاصلي و قدمي، كان شعورا مريحا و مؤلما بنفس الوقت..

خرج دحوم من باب الحمام متوجها نحوي، فشلت محاولتي في أيقافه من خلع حذائه فقد فات الأوان….

اتسع محيط الرائحة إلى الضعف…. و من وقاحتنا كنّا نضحك…فلا حيلة لدينا لوضع حد لهذه المشكلة، شعرت بالخجل من نفسي فبدأت بتغطية قدمي بالجاكيت الخاص بي..

الجهاد في سبيل الله كان في أرقى صوره عندما حافظت العجوز على ابتسامتها و هي تدخل محيط تلك الرائحة، ربما اختفت لديها حاسة الشم بسبب كبر السن….ربّما

كانت قائمة متواضعة بها خياران فقط….إما التوفو (جبنة الصوي النباتية)….أو التوفو….الأول مشوي، و الأخر نيء..

"
هذيلا يصيدون سمك ولّا توفو من البحيرة" ، تعجّب دحوم.

غريبة في أن يكون المطعم الوحيد المطل على البحيرة يحوي مطبخه فقط على التوفو، و لكن كانت الأسعار مناسبة، ٥٠٠ ين مع طبق رز و ماء…..

"
اثنين من المشوي يا خالة!"

استدارت و توجهت نحو المطبخ لتحضير الطعام، لم ننتظر كثيرا حتى جائتنا ذات الأسياخ التي ظننا أنها تحوي قطع سمك

الخلاصة….أسوأ وجبة أكلتها في اليابان منذ مجيئي إلى اليابان لأول مرة…..أسوا حتى من ال"ناتتو"!

أنهيت الأسياخ كلّها و  أنا أحاول اقناع نفسي بطعمها اللذيذ….و أظهر دحوم استياءه من الطبق فأبقى القليل منها و اكتفى بالأرز..

أتكأ دحوم على جانبه، و أدار رأسه نحو المدخل…..لفت نظره ماكينة البوظة الناعمة…نظر إلي و سدّد نحوي سؤالا

"
ريان كم باقيلنا فلوس"

"
ليه!"

"
بالله عليك شوف المكينة ذيك…ما نستاهل حلا بعد التعب كله؟"

كان القرار صعبا عندما استوقفتي لوحة مكتوبة على الماكينة..(٢٥٠ ين)

"
ياخي مش كأنها كثير؟"

بدأت أحسب القروش التي تبقّت

"
بقيت ألف ين و خمسين قرشا لكل منّا"

غامرنا بالمبلغ، أخذ دحوم نكهة الفراولة، و كانت حصتي من نكهة الساكورا (أوراق الربيع)….لا أعرف كيف صنعوها و لكن كانت في قمّة الانتعاش!

أردنا الاسترخاء لبعض الوقت، فقررنا النوم على سطح رصيف القوارب الخشبي…على نسيم البحر و منظر الطبيعة






عبّأت القوارير بالماء المجاني من حنفية المطعم، و طلب دحوم من صاحبة المطعم أن يشحن هاتفه من محوّل الكهرباء الخاص بالمطعم حتى نرجع من القيلولة….



انتهى الجزء الخامس

Tuesday, June 3, 2014

الطريق إلى أينوياما (الجزء الرابع): أمك ما ربّتك على كذا يا ريان




ضايقتنا المركبات التي كانت تعيق طريقنا باستمرار… لم نستطع الحفاظ على سير منتظم….لازم نطلع للشارع العام….

لسوء حظنا بدأت درجة الحرارة ترتفع، و الشمس استقرت وسط السماء… و بريق أشعتها يكاد يُرى لمعانه على صلعتي للأعمى من بعيد….

وقفنا على رأس الطريق العام جنبا إلى جنب…..لفّ رأس كل منّا نحو الآخر…و عين كل منا تقدح منها شرارة التحدّي

"
الطريق السريع….٤ كيلو….جاهز؟"

هززت رأسي مؤيَدآ للسباق….

امتدّت أناملي نحو جهاز الأيفون….أغنيتي المفضلة….

Nyte: Searching for light

و ما أن بدأت الأغنية حتى انطلقنا… كان سباقا حاميا….و لكن كان دحوم يسبقني طوال الوقت…كلّما أردت أن أتعدّاه لم أستطع….فلم تعد سرعتي كما كانت….





ظننت أن عضلاتي بدأت في التهالك.. و لكن لم أتوقف

اختفى دحوم من أمامي….لم أتوقف

سأصل جريا يعني سأصل جريا….لن أتوقف!!!!

ظهرت أمامي أول لوحة كتب عليها "جبل أينوياما" تمكنت من قراءتها بفضل من قاموسي المتواضع لحروف الكانجي…ها هو دحوم ينتظرني آخر الشارع….وصلت إليه و أنا ألهث حتى يكاد صدري يسقط من مكانه….



الطريق لم يعد كالسابق، فبدأ بالتصاعد و أصبح الجري مجهدا….أحسست بشيء في أسفل جلدي يؤلمني… تعرقلت حركتي قليلا…تجاهلت الألم مرة….مرتان….ثلاثة…..توقفت….

أزلت حذائي لأرى ما بقدمي…فإذا برائحة تندلع من بطن حذائي…..لا ليس حذائي…..إنّه شرابي المعفن….

ماذا تقول عن تأثير تلك الرائحة فيني…إذا كان دحوم الذي يبعدني قليلا قد فقد توازنه وقع مغشيا عليه….ضحكت عندما تذكرت أني لم أبدل هذا الشراب من مجيئي إلى اليابان…"أمك ما ربّتك على كذا يا ريان!"…

فحصت جلد قدمي و لاحظت بعض الفقاقيع تتكون على الجلد بسبب الضغط المتواصل و شدة إحكام الحذاء على قدمي…."أكيد بتطلع ريحة معفنة….من الكتمة!"

لا أعذار للتوقف…لبست ذات الشراب مجددا و أرخيت خيوط الربط قليلا حتى ترتاح قدمي….و انطلقنا مجددا….

وقفنا على إطلالة قرية صغيرة…..و قررنا أن نمشي قليلا….كان دحوم دليلي طول الرحلة… لكني أصبحت أشك في ذلك…..كان يتوقف فجأة عند كل منعطف…ينظر يمينا، يحك رأسه، ينظر يسارا…ارتكز على خاصرته….….حتى استسلم و نطق

"
احنا وين الحين؟!"


لم نعتد على منظر قرية يابانية كتلك…..مزارعها قاحلة عقيمة كأنها من بقايا دمار القنبلة الذرية…..بنيان مكوّم بعضه فوق بعض…طرقات صغيرة متشابهة مضللة لمن يسلكها….و كنا نحن الضحية…دحوم في ضياع، أنا في ضياع، الأيفون صار يألّف خرائط "على كيف كيفك"…بدأت علامات الاحتضار تبدو عليه...

استغرقنا طويلا و نحن في دائرة الضياع….ضجرنا….سخّر الله لنا ماكينة عصير تعترض طريقنا…عصير ليمون….أحلى انتعاش….و لكن ماذا بعد! وين لوحات جبل أينوياما!؟

"
ريان! ٨ كيلو بس!!"

"
يوووووووه….تعبت ياخي والله ما أقدر أمشي و ذا الجهاز صارله من نص ساعة و هو ٨ كيلو…"

"
هذي المرّة أكيد، تشوف الشارع نلف يسار و طوالي لين راس الجبل…"

"
يالله بسم الله توكلنا عليه…"

ما أقول إلّا حسبي الله و نعم الوكيل…ما يستشير المجنون الّا اللي أجن منه

أرى بصري يضعف….الشمس استقرت فوقي و كأني أحملها على رأسي…..بدأ السراب يحتل الأفق…..شعرت بالدوار…..

ارتمينا عند مخرج محطة وقود مهجورة….و اتخذنا قار الشارع سريرا






"أكتب وصيتك ترا يمكن تكون الغفوة الأخيرة"

"
تستهبل أنت و وجهك…تخيل عاد نموت هنا…والله ولا حد يدري عنا"….

اتكأت على جانبي الأيمن…..فقدت بصري شيئا فشيئا……ظلام……

لم أستمتع بقيلولتي حتى أيقظني بركلات خفيفة على خاصرتي….



"
شوووووووووود!!! ما بقا غير ٥ كيلو"

أفرغت عبوة الماء على وجهي حتى استرجعت نشاطي…ها نحن نمشي مجددأ!

واصلنا المشي حتى استوت بنا الأرض، علمنا أننا قد وصلنا أعلى الجبل….

بحيرة….كوخ صغير…قوارب تجديف…صيادي السمك….

جثوت على ركبتي رافعا رأسي نحو السماء… و صرخت بأعلى صوت لي…..

"
إينووووووويامااااااااااا"

انتهى الجزء الرابع