"كم
باقي من المسافة!؟"
انتهت كل "السواليف" و لم يبق منها غير تكرار هذا السؤال، فأصبح كل منّا لا يطيق الأخر، فهو يقودني بدون أن يتفوّه كلمة…لم نعرف قيمة الرمّانة إلّا في تلك اللحظة…
بدأت أعجز عن الجري، مفاصلي تصلّبت و عضلاتي تحجّرت، و لم تكن فيها تلك المرونة التي كنت أتمتّع بها في طريق الذهاب….
نطقت ركبة دحوم بصوت الألم…"كليك"
توقّف فجأة، و بدأ يعرج، أسرعت إليه لأطمإن، كان على ما يرام و لكن شعر بضيق شديد على قدمه…ظنّ أنه الحذاء فخلع حذاءه و مضى يمشي حافيا….
مضينا على ظهر إحدى الجسور المؤدية لمنطقة صناعية تسبق مدينة ناجويا،
كنّا الوحيدين على هذا الجسر و الشارع يخلو من المركبات،
سمعنا ضجيجا حادّا من صدر السماء،
كان بحجم النعجة، مندفعا كالكاسر و هو يسدّد منقاره نحونا، رأيت في عينيه نيّة أن يخرق رؤوسنا،
"كاااااااااك"
سارع بنا الخوف بأن نلازم الأرض ففشلت محاولته….
"يمكن هبوط اضطراري؟!"
"هذا ناوي علينا، انتبه شوف وراك!"
"كااااااااااك"
عاود الكرّة و لكن هذه المرّة من الخلف….
"اهرب!!!"
بدأت أطارد دحوم أحاول الامساك به حتى لا يتركني وراءه وحيدا ،
"سوبر ماركت، روح!"
وضعت السوبرماكت نصب عينيّ و انطلقت بسرعة لو تسابقنا بها ضدّ "بولت" لخسر رقمه القياسي،
اختفى الصوت فجأة
"شكله وقّف ما له حس!"
اختفى أثره ، بدأت أفكّر في تفسير لهذا السلوك الغريب لهذا الطائر، غلب بي الظن أننا اقتربنا من مملكته و هو كان يحاول الدفاع عنها….
كانت الاستراحة الأخيرة، مكثنا طويلا في هذه الاستراحة حتى بدا وقت الغروب،
بدأت تظهر أمامنا علامات التمدّن من بعيد، تلك هي ناجويا، لم يتبقى غير ١٥ كيلو، هنا بدأت التجربة الحقيقية للرحلة…
بدأ مشوار الملل، نعم كنّا نقطع المسافات الطويلة، و لكن كلما غلب بنا الظن أننا اقتربنا، و إذا بالطريق يبتعد أكثر و أكثر
لا أشعر بالوقت يمضي….تجمّدت عقارب الساعة….
"ربّي أنا شو سوّيت غلط في حياتي عشان تحطني في هذا الموقف!"
"لا تتذمّر، اصبر و لا تسأل عن الوقت و لا عن المسافة"
عظيم…أن يخوض الانسان في تحدّيات يتعدّى من خلالها حدود صبره….حدود راحته….حدود سعادته… و في تلك الحدود قد يخال إليه أنّه سيعمّر الدهر كلّه، و سيحافظ على صحة متكاملة على الدوام، و يدّعي الكمال دون منتقص، و محبّة الآخرين دون كره، و يقول الصدق دائما من غير كذب، و سيكون المثال الأعلى للصبر….
كل هذه ادعاءاتنا الباطلة التي يكون فيها اللسان دليلها الوحيد، فمن منّا فعلا خاض تجربة إيمانية حقيقية لصبره، لقوّته، لسعادته، لفقره، لكرمه، لحبّه للناس خارج تلك الحدود؟
ربما تذمّرت، و لكن تذكرت ضعفي، فكنت في راحتي أتفاخر بقوّتي و تحمّلي، و لكن بحالتي المزرية الأن تيقّنت أن لولا رحمة الله لي و خوفه عليّ و ثقته بي أنّي سأكمل رحلتي، للقيته بهاوية رأسي على أرضية الطريق…
بدأنا بالتعرج، فأصبحت مشيتنا على "دقّة و نص"، هذا جسر، ثمّ إشارة، ثم حارة، ثمّ جسر…. و كأننا في طرقات دهليز لا تنتهي
"ها يا صاحبي، الطريق مألوف ولا لسا"
لا يرد، عذرته لأنه كان يمر بنفس الصراع النفسي الذي كنت أمرّ فيه، و كل منّا ينتظر الآخر في أن يقف ليرتاح، و كان كل منّا ماهرا في إظهار قوة التحمل للآخر رغم شدة الألم...
أصبحنا بين المباني و الطرقات، حبيت أغيّر الجو بتساؤلي لدحوم عن العبارة التي سيصرخ بها عند خط النهاية، ذكرنا الكثير من الاقتراحات حتى اتفقنا على عبارة واحدة نزعج بها الحيّ كله…
كان المنعطف الأخير، توقف دحّوم و بات ينظر نحو المدخل و قد تلألأت عيناه….تبعته حتى وقفت بجانبه و إذا بي كأنّي أرى باب الجنّة أمامي
بدأنا بالتدافع للوصول، سبقني، سقط أمام المدخل، سقطت بجانبه، نظرنا إلى السماء….صرخنا
"تبّا إينوياماااااااااااااا"
انتهت كل "السواليف" و لم يبق منها غير تكرار هذا السؤال، فأصبح كل منّا لا يطيق الأخر، فهو يقودني بدون أن يتفوّه كلمة…لم نعرف قيمة الرمّانة إلّا في تلك اللحظة…
بدأت أعجز عن الجري، مفاصلي تصلّبت و عضلاتي تحجّرت، و لم تكن فيها تلك المرونة التي كنت أتمتّع بها في طريق الذهاب….
نطقت ركبة دحوم بصوت الألم…"كليك"
توقّف فجأة، و بدأ يعرج، أسرعت إليه لأطمإن، كان على ما يرام و لكن شعر بضيق شديد على قدمه…ظنّ أنه الحذاء فخلع حذاءه و مضى يمشي حافيا….
مضينا على ظهر إحدى الجسور المؤدية لمنطقة صناعية تسبق مدينة ناجويا،
كنّا الوحيدين على هذا الجسر و الشارع يخلو من المركبات،
سمعنا ضجيجا حادّا من صدر السماء،
كان بحجم النعجة، مندفعا كالكاسر و هو يسدّد منقاره نحونا، رأيت في عينيه نيّة أن يخرق رؤوسنا،
"كاااااااااك"
سارع بنا الخوف بأن نلازم الأرض ففشلت محاولته….
"يمكن هبوط اضطراري؟!"
"هذا ناوي علينا، انتبه شوف وراك!"
"كااااااااااك"
عاود الكرّة و لكن هذه المرّة من الخلف….
"اهرب!!!"
بدأت أطارد دحوم أحاول الامساك به حتى لا يتركني وراءه وحيدا ،
"سوبر ماركت، روح!"
وضعت السوبرماكت نصب عينيّ و انطلقت بسرعة لو تسابقنا بها ضدّ "بولت" لخسر رقمه القياسي،
اختفى الصوت فجأة
"شكله وقّف ما له حس!"
اختفى أثره ، بدأت أفكّر في تفسير لهذا السلوك الغريب لهذا الطائر، غلب بي الظن أننا اقتربنا من مملكته و هو كان يحاول الدفاع عنها….
كانت الاستراحة الأخيرة، مكثنا طويلا في هذه الاستراحة حتى بدا وقت الغروب،
بدأت تظهر أمامنا علامات التمدّن من بعيد، تلك هي ناجويا، لم يتبقى غير ١٥ كيلو، هنا بدأت التجربة الحقيقية للرحلة…
بدأ مشوار الملل، نعم كنّا نقطع المسافات الطويلة، و لكن كلما غلب بنا الظن أننا اقتربنا، و إذا بالطريق يبتعد أكثر و أكثر
لا أشعر بالوقت يمضي….تجمّدت عقارب الساعة….
"ربّي أنا شو سوّيت غلط في حياتي عشان تحطني في هذا الموقف!"
"لا تتذمّر، اصبر و لا تسأل عن الوقت و لا عن المسافة"
عظيم…أن يخوض الانسان في تحدّيات يتعدّى من خلالها حدود صبره….حدود راحته….حدود سعادته… و في تلك الحدود قد يخال إليه أنّه سيعمّر الدهر كلّه، و سيحافظ على صحة متكاملة على الدوام، و يدّعي الكمال دون منتقص، و محبّة الآخرين دون كره، و يقول الصدق دائما من غير كذب، و سيكون المثال الأعلى للصبر….
كل هذه ادعاءاتنا الباطلة التي يكون فيها اللسان دليلها الوحيد، فمن منّا فعلا خاض تجربة إيمانية حقيقية لصبره، لقوّته، لسعادته، لفقره، لكرمه، لحبّه للناس خارج تلك الحدود؟
ربما تذمّرت، و لكن تذكرت ضعفي، فكنت في راحتي أتفاخر بقوّتي و تحمّلي، و لكن بحالتي المزرية الأن تيقّنت أن لولا رحمة الله لي و خوفه عليّ و ثقته بي أنّي سأكمل رحلتي، للقيته بهاوية رأسي على أرضية الطريق…
بدأنا بالتعرج، فأصبحت مشيتنا على "دقّة و نص"، هذا جسر، ثمّ إشارة، ثم حارة، ثمّ جسر…. و كأننا في طرقات دهليز لا تنتهي
"ها يا صاحبي، الطريق مألوف ولا لسا"
لا يرد، عذرته لأنه كان يمر بنفس الصراع النفسي الذي كنت أمرّ فيه، و كل منّا ينتظر الآخر في أن يقف ليرتاح، و كان كل منّا ماهرا في إظهار قوة التحمل للآخر رغم شدة الألم...
أصبحنا بين المباني و الطرقات، حبيت أغيّر الجو بتساؤلي لدحوم عن العبارة التي سيصرخ بها عند خط النهاية، ذكرنا الكثير من الاقتراحات حتى اتفقنا على عبارة واحدة نزعج بها الحيّ كله…
كان المنعطف الأخير، توقف دحّوم و بات ينظر نحو المدخل و قد تلألأت عيناه….تبعته حتى وقفت بجانبه و إذا بي كأنّي أرى باب الجنّة أمامي
بدأنا بالتدافع للوصول، سبقني، سقط أمام المدخل، سقطت بجانبه، نظرنا إلى السماء….صرخنا
"تبّا إينوياماااااااااااااا"